تشكيل مجلس الشعب السوري- تحديات المرحلة الانتقالية وتطلعات المستقبل

المؤلف: عبد الرحمن الحاج08.28.2025
تشكيل مجلس الشعب السوري- تحديات المرحلة الانتقالية وتطلعات المستقبل

بعد مرور سبعة أشهر على الإعلان التاريخي بإسقاط النظام في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، تحققت إنجازات جمة، بعضها فاق التوقعات وبدا مستبعدًا، مثل رفع العقوبات المفروضة والتطور الملحوظ في الإستراتيجية الأمريكية إزاء سوريا ومنطقة الشرق الأوسط بأسرها. هذه التحولات الإيجابية لم تكن لتتبلور لولا الدعم الإقليمي الراسخ الذي استند إلى قاعدة شعبية عريضة، بالإضافة إلى الاحترافية التي أظهرها النظام الجديد في دمشق في تعامله مع المجتمع الدولي.

إلا أنه في خضم هذا الزخم المتسارع على الصعيد الخارجي والازدهار في العلاقات الدولية، وفي ظل البيئة الإقليمية الجديدة وما تحمله من انعكاسات إيجابية، تظل هنالك جملة من الملفات الداخلية التي تتقدم بوتيرة أبطأ، وتتعلق بشكل أساسي بمسائل التعافي وإطلاق ديناميكية تنموية قوامها إعادة بناء مؤسسات الدولة ومنظومة الحكم بشكل شامل. هذه العملية الإصلاحية متعددة الأوجه، تبدأ بتأهيل الكوادر والكفاءات الوطنية وتطبيق سياسات عادلة تهدف إلى تحقيق المصالحة الوطنية واستقطاب الخبرات المتميزة، مرورًا بتحديث الجهاز البيروقراطي العتيق والمعقد والذي يعاني من المركزية الشديدة، وصولًا إلى إرساء منظومة قانونية متينة، وإصلاح القضاء لضمان استقلاليته ونزاهته، والفصل الكامل بين السلطات.

ومع ذلك، فإن جميع مراحل بناء مؤسسات الدولة تبقى وثيقة الارتباط بالمنظومة القانونية التي تحدد الإجراءات الشرعية والضرورية لتفعيلها. وبالنتيجة، تتراكم المهام التشريعية يومًا بعد يوم في انتظار استكمال هذه المنظومة القانونية.

حلّ مجلس الشعب

في 29 كانون الثاني/يناير 2025، وخلال مؤتمر النصر، أصدرت قيادة العمليات العسكرية، والتي تمثل مجلسًا عسكريًا جامعًا لكافة الفصائل العسكرية التي شاركت في التحرير، "بيان إعلان انتصار الثورة السورية". وقد تضمن البيان تكليف "القائد أحمد الشرع" بمهام رئاسة البلاد خلال المرحلة الانتقالية، و"إلغاء العمل بدستور سنة 2012، وإيقاف العمل بجميع القوانين الاستثنائية، وحلّ مجلس الشعب المشكّل في زمن النظام البائد، واللجان المنبثقة عنه"، مع تفويضه بـ"تشكيل مجلس تشريعي مؤقت" إلى حين إقرار دستور دائم للبلاد ودخوله حيز التنفيذ.

إن تعليق العمل بالدستور وحل البرلمان واللجان التابعة له يؤدي إلى نشوء فراغ تشريعي وقانوني خلال المرحلة الانتقالية، مما يستوجب تسريع الخطوات لتلافي استمرار هذا الفراغ الذي يعيق عملية التعافي، وذلك في ظل الحاجة الماسة إلى إيجاد إطار قانوني ناظم للحكم، وتحديث القوانين وتعديل ما يلزم منها. واستشعارًا لهذه الحاجة الملحة، صدر الإعلان الدستوري في 13 آذار/مارس 2025، ليضع الأسس الدستورية للمرحلة الانتقالية. ونظرًا إلى أن سقوط النظام لا يعني بالضرورة سقوط القوانين لاستمرار الدولة، فقد نصّ الإعلان الدستوري في المادة 51 على أنه: "يستمر العمل بالقوانين النافذة ما لم يتم تعديلها أو إلغاؤها"، كما نصّ كذلك في المادة 3 على أنّ: "الفقه الإسلامي هو المصدر الرئيس للتشريع".

ما مصير الإجراءات والقرارات التي يتمّ إصدارها قبيل إنشاء مجلس الشعب؟

وفقًا للإعلان الدستوريّ، لا يتمتع رئيس الجمهورية بصلاحية إصدار مراسيم تشريعية. وفي الوقت نفسه، "يستمرّ العمل بالقوانين النافذة" خلال المرحلة الانتقالية. يقتضي هذا الوضع وجوب مراجعة كافة القرارات التنفيذية للتحقق من مدى توافقها مع القوانين النافذة التي "لم يتمّ تعديلها أو إلغاؤها" من قِبل المحاكم الإداريّة ومجلس الدولة والمحكمة الدستورية عند تشكيلها. وبالتالي، يجب أن تصدر جميع القرارات والمراسيم "وفق القانون النافذ" بحسب ما ورد في الإعلان الدستوري.

يثير بعض الحقوقيين تساؤلًا مفاده: هل كان الأجدر بالإعلان الدستوري أن ينص على تولي "رئيس الجمهورية سلطة التشريع إلى حين تشكيل مجلس الشعب، على أن تُعرض التشريعات الصادرة عن رئيس الجمهورية في هذه الفترة على المجلس خلال خمسة عشر يومًا من انعقاده، للنظر فيها ومناقشتها وإقرارها أو تعديلها أو إلغائها، وإذا لم تُعرض على المجلس زال ما لها من قوة قانونية بأثر رجعي من دون الحاجة لإصدار قرار في ذلك"؟ ربما كان ذلك ضروريًا، ولكن في ظل الوضع الراهن وبعد صدور الإعلان الدستوري بصيغته الحالية، حيث لا تتضمن هذه المادة، فإنه يتوجب مراجعة القرارات واللوائح التنفيذية والمراسيم التشريعية بدقة. إن احترام مواد الإعلان الدستوري أمر في غاية الأهمية "لطمأنة الجمهور بأن السلطة السياسية تحترم القانون النافذ، وتتصرف تحت سقفه. وهذا أمر حيوي جدًا ليشعر المواطنون بالأمن، وأن سيادة القانون تشملهم وتشمل السلطة في آنٍ معًا"، على حد تعبير الخبير القانوني محمد صبرا.

تشكيل مجلس الشعب

تتبدى الحاجة الماسة، إذًا، إلى سد الفراغ التشريعي في أقرب وقت ممكن، وذلك عبر تشكيل مجلس الشعب، الذي يمثل السلطة الثالثة في الدولة. ووفقًا للمادة 24 من الإعلان الدستوري، يتم تشكيل المجلس وفقًا للآلية التالية:

  1.  يقوم رئيس الجمهورية بتشكيل لجنة عليا تتولى مسؤولية اختيار أعضاء مجلس الشعب.
  2. تضطلع اللجنة العليا بمهمة الإشراف على تشكيل هيئات فرعية ناخبة، وتتولى هذه الهيئات انتخاب ثلثي أعضاء مجلس الشعب.
  3. يعيّن رئيس الجمهورية الثلث المتبقي من أعضاء مجلس الشعب بهدف ضمان التمثيل العادل وتحقيق مبدأ الكفاءة.

تمثل كل خطوة من هذه الخطوات تحديًا قائمًا بذاته، إذ يتعين أخذ جملة من الاعتبارات والقيود في الحسبان لتحقيق الأهداف المنشودة من تشكيل المجلس. فلهذا المجلس آثار طويلة الأمد تتجاوز المرحلة الانتقالية، إذ سيكون له تأثير حاسم في صياغة المرحلة الدائمة، وتحديد شكل الدولة ونظامها السياسي من خلال الدستور الدائم.

ولا يقلل هذا بحال من الأهمية المطلقة للمهام التشريعية الأخرى المنوطة به في المرحلة الانتقالية، والتي تشمل، بحسب المادة 26 من الإعلان الدستوري: "اقتراح القوانين وإقرارها"، و"تعديل أو إلغاء القوانين السابقة"، و"المصادقة على المعاهدات الدولية"، و"إقرار الموازنة العامة للدولة"، و"إقرار العفو العام"، و"عقد جلسات استماع للوزراء".

تكوين اللجنة العليا للانتخابات

يثير تشكيل اللجنة العليا للانتخابات مسألة التكوين، فبالرغم من أن الإعلان الدستوري نص على بقاء القوانين نافذة، إلا أن قانون الانتخابات (القانون رقم 5 للعام 2014) لم يعد ساريًا، وذلك لارتباطه الوثيق بالنظام السياسي المحدد بدستور سنة 2012، الأمر الذي ينسحب أيضًا على قانون الأحزاب.

وكان القانون المذكور يسمّي اللجنة المشرفة على الانتخابات بـ"اللجنة القضائية العليا للانتخابات"، وذلك بالنظر إلى طبيعتها القانونية، وينصّ على أنها تتألف من سبعة قضاة "يسميهم مجلس القضاء الأعلى من مستشاري محكمة النقض". ونظرًا لأهمية الجانب القانوني، فإنه من الضروري أن تغطي اللجنة العليا للانتخابات الجديدة هذا الجانب، سواء من خلال لجنة قانونية من الخبراء تسميها اللجنة العليا نفسها، أو من خلال لجنة مستقلة للبتّ في الطعون. وتوفير الإشراف القانوني بهذه الصيغة أو بغيرها أمر في غاية الأهمية لتعزيز ثقة المواطنين بعمل اللجنة، وهو ما ينعكس إيجابًا على الثقة بصحة النتائج والقبول بها.

وبما أن القانون رقم 5 لم يعد ملزمًا، فإن تكوين اللجنة لم يعد حكرًا على القضاة. وبالتالي، ولضمان عملية تمثيل ملائمة، يفترض أن يراعي تشكيل اللجنة مجموعة من الاعتبارات، مثل: مشاركة المرأة، والميول السياسية، والتكوين الاجتماعي والديني، والتوزع الجغرافي، والكفاءة العالية.

لذا، قد يكون من المناسب تشكيل لجنة صغيرة مكونة من أقل من عشرة أعضاء قادرة على المتابعة واتخاذ القرارات السريعة، مع مراعاة الاعتبارات المذكورة أعلاه في تكوينها. وبالنظر إلى وجود لجان فرعية في كل محافظة، فإن التمثيل الجغرافي الدقيق ليس ضروريًا في اللجنة العليا، لأن الفائدة الفعلية في التمثيل الجغرافي تكمن في اللجنة الفرعية فقط.

في 13 حزيران/يونيو 2025، صدر المرسوم الرئاسي رقم 66 للعام 2025 بتشكيل "لجنة باسم اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب"، مؤلفة من 11 عضوًا، برئاسة محمد طه الأحمد. تتولى هذه اللجنة الإشراف على "تشكيل هيئات فرعية" في المحافظات، لانتخاب ثلثي أعضاء مجلس الشعب. وقد راعى المرسوم في تكوين اللجنة بالفعل جملة الاعتبارات المذكورة أعلاه.

انتخابات في ظروف غير مستقرة

تكمن المعضلة الرئيسية للجنة في إجراء انتخابات في ظروف استثنائية. فما يزال هنالك ما يقارب ثلاثة ملايين نازح على الأقل في الشمال، منهم حوالي مليون إنسان يعيشون في الخيام، بالإضافة إلى مئات الآلاف من المهجرين خارج الحدود. وبالرغم من حركة العودة الكبيرة التي تشهدها البلاد حاليًا، إلا أن إجراء انتخابات في ظل هذا الوضع يبدو مهمة شاقة. فمن جهة، يجب توفير إحصاء سكاني موثوق نسبيًا لتحديد المقاعد. ومن جهة أخرى، يجب تحديد الدوائر الانتخابية والنظام الانتخابي لإجراء انتخابات منظمة وعادلة. ومن جهة ثالثة، تحتاج الانتخابات إلى مراقبة وإشراف من المنظمات المحلية والدولية، مع الأخذ في الاعتبار غياب الأحزاب، حيث تم حل الأحزاب والتنظيمات في إعلان النصر.

لا توجد إمكانية متاحة لإجراء إحصاء سكاني دقيق مع هذا الكم الهائل من النزوح والدمار الواسع في المدن والأرياف. ولهذا السبب، لا توجد طريقة لاعتماد إحصاء جديد في الوقت الحالي. ولعل أفضل طريقة هي اعتماد إحصاء عام 2010 الذي أجراه نظام الأسد قبل اندلاع الثورة، والذي ينتفي فيه شبهة المصلحة في التلاعب بالأرقام وطرق الإحصاء، في ظل وجود ملايين خارج سوريا أو خارج سيطرته. ولهذا السبب يمكن الوثوق بهذا الإحصاء، وتحديد عدد المقاعد على أساس التوزع الديموغرافي للسكان.

يبلغ عدد مقاعد البرلمان السوري 250 مقعدًا، وهو عدد ظل ثابتًا منذ دستور عام 1973 الذي تمت صياغته لضمان بقاء نظام الأسد إلى الأبد. ويمثل هذا العدد تقريبًا في عام 2010 نسبة عضو واحد لكل 100 ألف نسمة. إلا أن هذا الرقم قد لا يكون مناسبًا أو عمليًا بما يكفي للعمل في هذه الفترة الاستثنائية. لذلك تميل الدول في المرحلة الانتقالية إلى برلمانات مصغرة. ويمكن أن يكون نصف هذا العدد أو أكثر قليلًا مناسبًا بالنظر إلى المهام الكثيرة الملقاة على عاتقه. ومن الواضح أن الرئيس الشرع قد أخذ ذلك بالاعتبار، حيث حدّد المرسوم 66/2025 الخاص بتشكيل الهيئة العليا لانتخابات مجلس الشعب عدد أعضاء المجلس بـ 150 عضوًا، وهو عدد مناسب يجمع بين التمثيل والمرونة.

التمثيل

تتمثل مهمة اللجان الفرعية في تشكيل الهيئات الناخبة في المحافظات بحسب الإعلان الدستوري. ولكن لا توجد إشارة واضحة في الإعلان حول كيفية تشكيل هذه الهيئات، مما يعني أن اللجنة العليا للانتخابات ستتولى تحديد ذلك. فهل سيكون ذلك عبر الترشح الفردي المباشر، أي فتح باب الترشح كما يجري في الانتخابات العامة عادة؟

إن فتح باب الترشح المباشر لن يضمن تمثيلًا صحيحًا في ظل ظروف النزوح والدمار. هذا الوضع الاستثنائي يشبه إلى حد ما الوضع الذي ساد عند تأسيس الدولة والتحضير للمؤتمر السوري العام الأول بدءًا من منتصف عام 1919. ففي ذلك الوقت، جرت اختيارات من قبل وجهاء، وممثلين عن المناطق، وزعماء محليين وفقًا لقانون الانتخابات العثماني عام 1909 لمجلس المبعوثَين (مجلس النواب). وفي بعض الحالات، تمت تعيينات أو ترشيحات محلية (توكيلات) لتمثيل مناطقهم.

وفقًا للقانون العثماني، تتم الانتخابات على مرحلتين: في المرحلة الأولى يتم تشكيل هيئة ناخبة، وفي المرحلة الثانية تنتخب هذه الهيئة أعضاء لمجلس النواب. ويمكن للجنة الفرعية القيام باختيار أعضاء مرشّحين للهيئة الناخبة بدل الانتخاب المباشر، مع مراعاة التكوين الاجتماعي والكفاءات والتمثيل العادل لفئات المجتمع ممن يتمتعون بالسمعة الطيبة وحسن السيرة، وأن يكونوا من المعروفين في مناطق تمثيلهم للعموم والنخبة على نطاق مناسب. ويتعين على اللجنة المركزية أن تضع مجموعة من الشروط والقواعد التي تضمن وصول ممثلين حقيقيين، ومن ذوي الكفاءات ممن يصلحون لصياغة التشريعات، والتفاوض حول مواد الدستور.

لا تحتمل قضية التمثيل في هذا المجلس أي ثغرات. يجب أن يكون التمثيل قويًا وحقيقيًا قدر الإمكان، لأن هذا المجلس سيرسم مستقبل سوريا وصورتها الدائمة. ويجب ألا يغيب عن أعضاء اللجنة العليا المكلفين بالإشراف على العملية الانتخابية وتشكيل المجلس أن شكل عملية تشكيل المجلس هو جزء لا يتجزأ من مضمون المجلس، وأنه لا يمكن الفصل بين الشكل والمضمون في العملية السياسية.

ومن الجدير بالذكر أن المرسوم 66/2025 الخاص بتشكيل الهيئة العليا للانتخابات ومهامها قد حدد طبيعة المرشحين للتمثيل بأنهم من "الأعيان والمثقفين"، والمقصود بالطبع نخبة المجتمع، من الوجهاء والشخصيات ذات المكانة الاجتماعية المؤثرة، ويشمل ذلك رؤساء مجالس الأعمال والشخصيات العامة. أما المثقفين، فالمقصود بهم على الأرجح الكفاءات من الاختصاصيين في العلوم الاجتماعية المختلفة وصناع الرأي العام. وعلى الرغم من غرابة هذا التحديد في تشكيل مجلس الشعب، إلا أن الظروف التي يشكل من أجلها المجلس، والتي تتطلب بالفعل توفير نخبة قادرة على تحقيق الغرض من تشكيل مجلس الشعب في هذه المرحلة الخطيرة، تجعل الأمر مفهومًا ومستساغًا. وربما كان من الأنسب الاكتفاء بعبارة "الكفاءات".

مهمة كتابة الدستور الدائم

تنتظر هذا المجلس التشريعي مهمات جمة، فالفراغ التشريعي الذي طال أمده قد خلف تراكمًا كبيرًا في الأعمال التشريعية الضرورية لبناء الدولة. إلا أن المهمة الأخطر التي سيتعين على المجلس التشريعي القيام بها هي كتابة الدستور الدائم، الذي سيحدد شكل النظام السياسي لسوريا لعقود طويلة. ويرجح أن تنبثق الهيئة التأسيسية عن هذا المجلس، سواء في دورته الأولى أو الثانية، علمًا أن المجلس سيحظى بدورتين فقط في المرحلة الانتقالية، وسيكون عليه تشريع القوانين اللازمة للانتقال السياسي، بما في ذلك قوانين الأحزاب والانتخابات.

وفي الواقع، هنالك ثلاث طرق رئيسية لتشكيل الهيئة التأسيسية:

  • الأولى: هي الانتخاب المباشر من الشعب. إلا أنه في ظل ظروف معقدة كالتي تشهدها سوريا، لا توجد ضمانة للتمثيل الأمثل، ولا لخروج الكفاءات اللازمة لكتابة الدستور، والتفاوض حول بنوده مع مختلف أطراف المجتمع.
  • الثانية: هي التعيين المباشر. وهي طريقة قد تضمن التمثيل المطلوب ووجود الكفاءات اللازمة، إلا أنها تفتقر إلى الشرعية اللازمة للمرحلة الدائمة.
  • الثالثة: هي الانتخاب من قبل المجلس التشريعي نفسه. ويبدو هذا الطريق إلزاميًا، لأنه يجمع بين ميزة توفر الكفاءات والتمثيل، والشرعية اللازمة، مما يجعل احترام الدستور أكثر رسوخًا. وفي هذه الحالة، يجب أن تشكل الهيئة التشريعية ثلث المجلس في الحد الأقصى، مع وجوب الأخذ بالاعتبار التمثيل الطائفي والعرقي الكامل والشامل.

لهذا السبب، يجب أن تؤخذ هذه المهمة الاستثنائية في الاعتبار عند تشكيل المجلس. وربما يكون من المفيد استغلال الثلث المعين من قبل الرئيس لتغطية النقص الذي قد يحصل في توفير هذا التمثيل وتلك الكفاءات اللازمة. فالإعلان الدستوري منح الرئيس صلاحية تعيين الثلث لجبر الخلل الذي يمكن أن يحدث في تشكيل المجلس بسبب الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد.

إن كتابة دستور جديد تتطلب عدة أمور، هي: قانون لنظام انتخابي جديد، وقانون للأحزاب (أشار إليه الإعلان الدستوري في المادة 14)، وقانون للمحكمة الدستورية وتنظيم القضاء، وقانون للعدالة الانتقالية بعد تشكيل هيئة متخصصة في ذلك.

تحديات

إن اللحظة الراهنة مواتية للشروع في تشكيل المجلس، والحاجة إليه ملحّة. ومع ذلك، فإن عدم استتباب الأمن بشكل كامل في مناطق مثل الساحل، وفي مناطق مثل الجزيرة التي لا تزال تحت سيطرة قوات قسَد (قوات سوريا الديمقراطية) الكردية، يمثل عقبات حقيقية أمام اللجنة العليا للانتخابات. وقد يحد هذا من قدرة اللجنة على تحقيق التمثيل الشامل والعادل. وقد تضطر اللجنة في بعض الأحيان إلى التنازل عن بعض المعايير في هذه المناطق لتحقيق تمثيل مقبول فيها. وقد يشكل الثلث المعين أحد الضمانات لتجاوز عقبة التمثيل فيما إذا فشلت اللجنة في تحقيق ذلك بسبب عقبات أمنية ولوجستية.

وهنا يبرز مرة أخرى دور الثلث المعين، ويحسب للجنة التي كتبت الإعلان الدستوري ترك هذا الثلث للتعيين لتجاوز المشكلات التي يمكن أن تواجه اللجنة في تشكيل المجلس والتعامل مع الظروف الطارئة. وهي طريقة اعتمدت في المؤتمر السوري العام الأول، حيث عُين نحو ثلث أعضاء المجلس (35 عضوًا من أصل 120 نائبًا) لاعتبارات تتعلق بالوجود الفعلي للاحتلال الفرنسي والبريطاني، وتعذر القيام بعملية انتخابية شاملة في جميع المناطق. هناك، إذًا، سابقة تاريخية يمكن البناء عليها.

يتمثل التحدي الآخر في توفير كفاءات ضرورية يمكن التعويل عليها في صياغة القوانين والتفاوض بشأن المواد الدستورية، من خبراء وسياسيين وحقوقيين ونقابيين وخريجي العلوم السياسية والدراسات الإسلامية والدينية وعموم العلوم الاجتماعية، وحتى من المجتمع المدني الذين راكموا خبرات كبيرة خلال السنوات الأربع عشرة الأخيرة، وكثير منهم عملوا في مجال الانتقال السياسي والأنظمة القانونية والقضائية والدستورية. يجب أن تلحظ اللجنة العليا للانتخابات وجود مثل هذه الكفاءات بالقدر الكافي في الهيئة الناخبة، وتوفير الفرص المناسبة لها للانضمام إلى البرلمان عبر انتخابات نزيهة وشفافة.

ويمكن التغلب على مجمل التحديات، ولكن ذلك يتطلب بعض الوقت والتأني. فالمؤتمر السوري العام عام 1919 استغرق تحضيره أكثر من ثمانية أشهر بسبب الظروف الانتقالية المعقدة بين انهيار الدولة العثمانية والانتداب الفرنسي. واليوم، نحن نواجه ظروفًا مماثلة من حيث إننا بالفعل في مرحلة أقرب إلى إعادة بناء الدولة من الأساس، ولكن في المقابل لدينا خبرة تمتد لمائة عام، ووسائل اتصال حديثة تعوّض بعض النقص في البنية التحتية اللازمة لتنظيم الانتخابات وتشكيل المجلس.

إنه لمن الصواب القول إن الظروف الاستثنائية الراهنة قد لا تساعد على إنشاء مجلس تمثيلي في شكله المثالي، ولكن مع بذل الكثير من الجهد، والانتباه الشديد إلى العوائق، وابتكار الطرق اللازمة لمواجهتها، والحفاظ على التكامل بين الشكل والمضمون، سيكون بالإمكان تحقيق تمثيل مقبول ومناسب تمامًا للمهام الجسام التي أنيطت بالمجلس التشريعيّ الانتقالي.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة